شحرور و آيات الطلاق
كثيرًا ما نجد في الطروحات الحداثية محاولات لإعادة تفسير النصوص الشرعية بعيدًا عن سياقها ومفرداتها، بزعم تحديث الخطاب الديني وتحريره من “الفقه التقليدي”. ومن أبرز من تبنّى هذا الاتجاه الدكتور محمد شحرور، الذي قدّم قراءة مغايرة لقضية الطلاق، فاعتبر أنه ليس قرارًا فرديًا للرجل، وأنه لا يصح إلا بشهادة، وأن عدد الطلقات لا يتجاوز اثنتين. لكن السؤال الجوهري الذي يجب أن يُطرح: هل ما يقدّمه شحرور هو فهم للنص أم إسقاط لأفكار مسبقة على النص؟
وهنا سأستعرض افكار شحرور فكرة فكره
أولًا: الطلاق ليس قرارًا فرديًا؟
ادعى شحرور أن الطلاق ليس بيد الزوج وحده، لكنه لم يأتِ بدليل قرآني واضح على هذا الادعاء. فالآيات الكريمة كلها تخاطب الرجال في سياق الطلاق، كما في قوله تعالى:
“يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن…” (الطلاق: 1)
الخطاب واضح ومباشر، ولم يُذكر فيه اشتراط رضا الزوجة ولا جهة ثالثة للفصل. بل بيّن الله أن القرار بيد الزوج، لكن بشرط التزام العدة والعدل، وليس مصادرةً لحقه.
فكيف يقول شحرور إن القرآن لا يجعل الطلاق قرارًا فرديًا، والله تعالى نصّ صراحة على من يُخاطب في الطلاق؟
وهذا لا يعني آنه سلب حق الزوجة ان ارادت الانفصال بل اوجد لها الخيار وهو الخلع.
ثانيًا: هل الطلاق مرتان فقط؟
يستند شحرور إلى قوله تعالى:
“الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان…” (البقرة: 229)
ويفهم منها أن عدد الطلقات لا يمكن أن يزيد عن اثنتين. لكن هذا الفهم ناقص، لأن الآية نفسها لا تنفي الطلقة الثالثة، بل تُؤسس لها. ففي الآية التالية قال الله:
“فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره…” (البقرة: 230)
إذن هناك ثلاث طلقات: اثنتان رجعيتان، والثالثة نهائية تُحرِّم الزوجة على زوجها حتى تتزوج غيره.
فهل يعقل أن يُقرأ جزء من الآية ويُهمل الآخر؟ أليس هذا مخالفة صريحة للمنهج الذي يدعو إليه شحرور نفسه: “قراءة شاملة للقرآن”؟
ثالثًا: هل الطلاق لا يتم إلا أمام شهود؟
زعم شحرور أن الطلاق لا يصح إلا بوجود شهود، مستندًا إلى قوله:
“وأشهدوا ذوي عدل منكم” (الطلاق: 2)
لكن بالرجوع إلى السياق، يتضح أن هذه الشهادة ليست متعلقة بوقوع الطلاق، وإنما بـ إتمام العدّة، أي عند لحظة الرجعة أو الفراق النهائي. فالآية تقول:
“فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا…” (الطلاق: 2)
أي أن الشهادة متعلقة بما بعد العدّة، وليس بالطلاق ذاته. وهذا هو الفرق الجوهري الذي تجاهله شحرور أو تأوّله بما يخدم فكرته، لا بما يخدم فهم النص.
فهل من العقل أن نُغيّب دقة الألفاظ والسياق من أجل تأكيد تصور ذهني مسبق؟
الختام: لماذا يحاول شحرور ولماذا القرآن؟
لماذا نبحث عن أفكار د. شحرور وهو نفسه يعترف بأنه لا يعتمد إلا على ما يفهمه من اللغة؟ ولماذا نُقدّم قراءة بشرية مشوشة على نص رباني واضح؟
القرآن الكريم لم يترك مسألة الطلاق مفتوحة للعبث، بل وضع لها نظامًا محكمًا دقيقًا. كل من قرأه بتجرد وبحث عن مراد الله لا مراد الأهواء، سيجد توازنًا بين حق الرجل وكرامة المرأة، بين الحرية والمسؤولية.
أما قراءة شحرور، فهي إسقاط فلسفي على النص، لا قراءة للنص نفسه. ولذلك فإن من أراد العدل، فليقرأ القرآن كما أنزل، لا كما تمنّى.